هولندا …اِحتضان أوتريخت لحفل أمازيغي مغربي
هيئة التحرير
11 فبراير، 2025

كتب / نجاة تقني
أقر صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله التطريس الدستوري للأمازيغية، وجعل يوم 14 يناير الموافق لليوم الأول من السنة الأمازيغية عيدا رسميا بالمغرب. واتباعا لتعاليم جلالته أقامت القنصليات المغربية بالمدن الكبرى في هولندا حفلات رأس السنة الأمازيغية الجديدة 2975. وفي يوم الأحد 9 فبراير أقيم العرس الثقافي الأمازيغي المغربي بقاعة الأفراح بمدينة مارسين، الذي نظمته القنصلية العامة للمملكة المغربية بأوتريخت بشراكة مع فيدرالية الجالية المغربية بهولندا، وبحضور سفير جلالة الملك بلاهاي ورؤساء الجمعيات والكفاءات المغربية المقيمة في هولندا.
وقد افتتح السيد عبدو القادري القنصل العام المساعد هذا الحفل الثقافي الرائع بالترحيب بالحضور والإعلان عن البرنامج. بعد كلمة السيد محمد ديبا نيابة عن الفيدرالية المغربية بهولندا، ألقت القنصل العام السيدة بثينة الكردودي كلمتها الزاخرة بالمعلومات التاريخية المغربية، وسندرج كلمتها في ختام هذا المقال.
وكعادته ألقى سعادة السفير المغربي بهولندا السيد محمد البصري كلمته الارتجالية المليئة بالحكم والأحداث التاريخية المغربية، مفتخرا بالتنوع الثقافي المغربي والمجال الذي يسمح لنا بمشاركة المبادئ العالمية والسامية مع سكان بلد الإقامة في إطار الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، ومؤكدا أن الاحتفال بالسنة الأمازيغية هو تكريس للاهتمام بالمكون الأمازيغي في الثقافة المغربية. وكما جاء في الخطاب الملكي السامي في أجدير، فإن الأمر لا ينحصر في الجانب الثقافي وترسيم اللغة التي جاءت في دستور 2011، وفي تفعيل الاهتمام باللغة الأمازيغية من خلال إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وإنما يأتي عن طريق نموذج تنموي جديد يسمح بصون كرامة الجميع وهو شكل من أشكال الحقوق الأساسية. واللباس الأمازيغي الذي ترتديه السيدات، والحلي الذي تتزين به في هذا الحفل يذكرنا بأمهاتنا في بلدنا الحبيب. وأشاد بدور المرأة المغربية المهاجرة في حفاظها على الخصوصية الثقافية والدينية. كما شكر كل من ساهم في إنجاح هذا الحفل الأمازيغي المغربي متمنيا أن تبقى السنة الأمازيغية فرصة للقاء والاحتفال وللافتخار بأصولنا وثقافتنا وهويتنا.
وتميز هذا الحفل الأمازيغي المغربي بمداخلة بعض الكفاءات المغربية: السيد محمد الجوهري، والسيد قاسم شهبون، والحاج بوكريم، والسيدة فوزية العمراوي، والسيدة ليلى قطايا، والسيد سعيد بن دادا، والسيد يحيى بنيونس، والسيد ابراهيم اشرجوش، والسيد عصام، الذين عبروا عن فخرهم بالهوية الأمازيغية العربية المغربية وبالإنجازات التي قدمتها الجالية المغربية داخل وخارج المغرب. وألقت ممثلة رابطة كاتبات المغرب في هولندا الروائية نجاة تقني قصيدة وطنية لأختها الشاعرة لطيفة تقني بعنوان “مغرب الأبطال”، والتي ذكر فيها الأمازيغ والعرب في الأبيات التالية:
إنا جميـعا مثـل جســم واحـد أمزيغـــنا كالإخــوة العــرباء
والشعب يهتف بالولاء لعاهل رمز الأمان ومنقذ الصحراء
اختتم هذا العرس الأمازيغي الفني والثقافي بأغاني ورقصات من أداء فرقة أحواش القادمة من المغرب، وفرقة الموسيقى الريفية المقيمة في بلجيكا. وقد عبرت هذه العروض التراثية عن الموروث الثقافي المغربي، وأضافت لمسة فنية للقاعة التي تزينت بالأدوات الأمازيغية واللوحات الفنية والمأكولات الأمازيغية المغربية.
كلمة القنصل العام بأوتريخت السيدة بثينة الكردودي الغنية بالمعلومات التاريخية المغربية مع إدراج كلمات أمازيغية:
بسم الله الرحمان الرحيم “
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه؛
معالي السيد سفير صاحب الجلالة
السيد رئيس فدرالية الجالية المغربية بهولندا
السيدات والسادة رؤساء الجمعيات الموقرة
إخواني أخواتي أعضاء الجالية المغربية المحترمين
يسعدني و يسرني أن أرحب بكم جميعا في هذا الحفل الثقافي و الفني الذي ننظمه اليوم بشراكة مع فدرالية الجالية المغربية بهولندا للاحتفال برأس السنة الامازيغية الجديدة 2975 في إطار سلسلة من الاحتفالات المقامة داخل و خارج الوطن بهذه المناسبة السعيدة.
و باسمكم جميعا يطيب لي أن أتقدم إلى كافة أفراد الجالية المغربية المقيمة بمملكة هولندا و كافة المغاربة حيثما كانوا، بأصدق عبارات التهاني و أسمى الأماني، راجية من المولى عز و جل أن يعيد علينا جميعا هذه المناسبة بدوام الصحة و العافية و على وطننا الغالي بدوام الأمان والرقي والازدهار تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك نصره الله و أيده.
سنة أمازيغية سعيدة
اسكاس أسعدي امباركي إكلو ميكان أمزيغ سالصحة دلهنا د السلامة
إنه من دواعي الفخر و الاعتزاز أن تنظم هذه القنصلية العامة اليوم بشراكة مع المجتمع المدني هذا الحفل للسنة الثانية على التوالي بعد القرار الملكي السامي القاضي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية في المغرب على غرار فاتح محرم من السنة الهجرية ورأس السنة الميلادية.
لا بد من الإشارة هنا إلى أن إضفاء الطابع الرسمي على السنة الامازيغية هو قرار استراتيجي وتاريخي هام للمملكة المغربية، لما له من دلالات رمزية قوية. فهو لا يعكس التقدير والاحترام للتراث الثقافي الأمازيغي فحسب و إنما يبرز كذلك حرص جلالة الملك على تقوية إحدى دعائم هويتنا العريقة المتميزة بتعدد روافدها وتنوع ثقافتها ووحدة مقوماتها المرتكزة على قيم الإسلام والوحدة الوطنية الراسخة والالتحام الوثيق بين العرش والشعب.
في هذا السياق، فإن توحيد الجهود بين المجتمع المدني والقنصلية العامة، بوصفها مؤسسة رسمية، لتحقيق هذا النشاط المشترك يأتي في إطار تفعيل الرؤية الملكية الحكيمة بشأن النهوض بالتراث الوطني الأمازيغي وتثمينه. الهدف من هذا التعاون هو خلق فضاء لسليط الضوء على الموروث الثقافي الأمازيغي كجزء لا يتجزأ من هويتنا المغربية وذاكرتنا التاريخية الجماعية، من خلال التعريف بالثقافة الأمازيغية من مطبخ ، ولباس تقليدي وصناعة تقليدية وموسيقى أمازيغية أصيلة و كذا إبراز التنوع الثقافي و التعدد اللغوي للمملكة. كما يساهم هذا النشاط في تعزيز التواصل والفهم و الاحترام المتبادلين بين مختلف مكونات المجتمع المدني، وإظهار صورة المغرب كبلد متصالح مع تاريخه و مع جذوره ومحتضن لكل مكوناته الثقافية. وهو ما يمكن بلا شك من تقوية روابط الانتماء للوطن و الاعتزاز بالتراث الثقافي الأمازيغي و الالتزام بضرورة الحفاظ عليه ونقله إلى الأجيال القادمة.
كما يعد هذا الحدث لحظة فرح تعطي الفرصة لاستحضار الإنجازات التي حققتها المملكة في مسار تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، منذ خطاب أجدير عام 2001، الذي شكل نقطة انطلاق لهذا المسار من خلال إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية واعتماد حرف “تيفيناغ”، وصولًا إلى الاعتراف بالأمازيغية كلغة رسمية في دستور 2011.
وفي هذا السياق، فورش تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية يشهد الآن زخمًا متزايدًا على مستوى جميع الإدارات العمومية، حيث يواصل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية جهوده لإدماج اللغة الأمازيغية في المؤسسات العمومية، عبر توقيع العديد من اتفاقيات الشراكة وتنظيم دورات تكوينية لفائدة موظفي وأعوان الإدارات العمومية.
وفي مجال التحول الرقمي وإصلاح الإدارة، اتخذت الحكومة تدابير ملموسة لتعزيز حضور اللغة الأمازيغية في المرافق العمومية، من خلال توفير 464 عونًا ناطقًا بالأمازيغية في بعض الإدارات، مما يسهم في تحسين التواصل مع المواطنين، إضافة إلى تعبئة 69 عونًا ناطقًا بالأمازيغية في 10 مراكز للاتصال. كما تم إدماج اللغة الأمازيغية في 3000 علامة ولوحة تشويرية، تعزيزًا لمكانتها في الهوية البصرية للإدارات العمومية. وفي هذا الإطار، نحن سعداء و فخورين بوجود، في هذه القنصلية العامة موظفين ناطقين بالأمازيغية، وتحديدًا بالريفية، الذين يشكلان قيمة مضافة فيما يخص تسهيل التواصل مع المواطنين غير الناطقين بالعربية أو بالدارجة المقيمين بدائرة النفوذ الترابي للقنصلية.
أما على مستوى التعليم الأولي، فقد اتخذت الحكومة إجراءات تهدف إلى تسريع وتيرة تدريس اللغة الأمازيغية بالسلك الابتدائي، بهدف تعميمها بالكامل بحلول الموسم الدراسي 2029-2030، إلى جانب توفير مناصب شغل جديدة لفائدة الأساتذة المتخصصين في تدريس الأمازيغية.
وفي مجال التعليم العالي، تعمل الحكومة على تشجيع وتقوية مسالك الدراسات الأمازيغية بالجامعات وتوفير شروط التكوين وتكثيف تكوينات الأساسية والمستمرة حيث تم إحداث مسلك الترجمة التحريرية (عربية – أمازيغية – فرنسية) بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة، بهدف تكوين وتأهيل مترجمين مغاربة متخصصين في هذا المجال.
أما على الصعيد الإعلامي، وحرصًا على تفعيل مقتضيات الدستور، تم دعم اللغة الأمازيغية في القنوات السمعية البصرية العمومية، لاسيما من خلال تعزيز دور القناة الثامنة للامازيغية و الإذاعة الامازيغية التى تستهدف مختلف فئات الجمهور، و تبث برامج ثقافية وأدبية مختلفة للترويج والنهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين.
وفي المجال الثقافي، تعمل الحكومة، من خلال وزارة الثقافة، على تشجيع ومواكبة المبدعين في مختلف مجالات الكتابة والتأليف باللغة الأمازيغية، إلى جانب دعم الفنانين والسعي إلى تطوير مختلف السبل الكفيلة بتثمين الموروث الثقافي الأمازيغي وإبرازه.
و كل هذه المبادرات تندرج في إطار العناية الملكية السامية المستمرة بالأمازيغية و الرامية إلى ضمان إشعاعها وتعزيز مكانتها في الفضاء الاجتماعي والإعلامي و التربوي سواء على الصعيد الوطني أو الجهوي باعتبارها مكوناً رئيسياً للهوية المغربية الغنية بتعدد روافدها و ثروة وطنية و كما قال جلالة الملك نصره الله” ملك مشترك لكل المغاربة بدون استثناء”. و بالفعل الأمازيغية هي ملك لكل المغاربة بدون استثناء.
وخير دليل على ذلك هو أن الدارجة المغربية أو كما تسمى بـ: العرْبيا أو تعرابت تأثرت بشكل كبير بالامازيغية. كما لا يخفى عليكم، فأن المغاربة غير الناطقين بالامازيغية يستخدمون بدون وعي منهم في الدارجة المغربية مفردات وتراكيب وتعابير أمازيغية في حديثهم اليومي، بالإضافة إلى النطق الذي يتبع في كثير من الأحيان النمط اللغوي الأمازيغي. وتشير الدراسات إلى أن الدارجة المغربية تحتوي على أكثر من 1500 كلمة ومصطلح واسم من أصل أمازيغي، تشمل مجالات الحياة اليومية والعائلية والمهنية، بالإضافة إلى المصطلحات المرتبطة بالنباتات، والحيوانات، والزراعة، والثقافة، وغيرها.
ومن بين هذه الكلمات ذات الأصل الأمازيغي، والتي قد لا ينتبه إليها الكثيرون، نجد على سبيل المثال
يمّا” yemma– “حنّا” ḥenna.
لالّا lalla النوطا” (زوجة أخ الزوج) للّوسا” ellusa (أخت زوجة الرجل) – “اليشّير” (الطفل، الفتى ييه” yih– “واخّا” (دغيا”
deɣya
“ياك” (أليس كذلك؟)،
المزوار” (النقيب، زگل، البرهوش، تامارا، المش، السرجم، الى غير ذلك من المفردات بالإضافة إلى أسماء المهن كتنجرات، تخرازت ، تحدادت إلى أخره
وهذا المزج بين الأمازيغية والعربية في الدارجة يعكس التنوع الثقافي واللغوي في المغرب، والذي يظهر أيضًا في العديد من العادات والتقاليد التي تأثرت بتاريخ طويل من التعايش بين مختلف المكونات الثقافية من شمال المغرب إلى جنوبه من شرقه إلى غربه و يجعل الامازيغية مُكوّن أساسي للثقافة الوطنية. و هذا ما نسعى إلى إبرازه اليوم بمشاركتكم الكريمة.
لن أطيل عليكم، في الختام أود أن أشكركم جزيل الشكر على حضوركم المكثف اليوم كما أود أن أغتنم هذه المناسبة لأثمن عالياً المجهودات الجبارة التي بذلها ، رغم ظروفه الصحية، السيد محمد ديبة، رئيس فدرالية الجالية المغربية بهولندا للتحضير لهذا الحفل والتنسيق مع جميع الشركاء، للوفاء بهذا الموعد الهام.
كما أود أن أتوجه بخالص الشكر إلى جميع القائمين على هذا الحفل، وفي مقدمتهم السيدة مهدية المخلوفي والسيدة عائشة لويزة ومرافيقاتها، اللواتي حرصن على إبراز غنى الثقافة الأمازيغية في أبهى صورة من خلال تلبيس الأطفال الزي الأمازيغي الأصيل وتقديم منتجات تعكس التراث الأمازيغي العريق. و الشكر موصول للفرقة الموسيقية القادمة من بروكسل، وكذلك للسيد مصطفى الكشوطي على مساهمته في تقديم أطباق المغربية أصيلة، و السيد مرزوق زريوح على مساعدته اللوجيستية وكل من ساهم في إثراء هذه الأمسية المميزة وخلق أجواء ذات طابع أمازيغي أصيل بكل تجلياته في هذا الحفل.
و لا يفوتني أيضاً أن أثني على الحضور المميز للأطفال الصغار، الذين أضفوا على هذا الحفل بهجةً وتألقًا و رونقا خاصا بلباسهم التقليدي الأمازيغي. و كما أود أتقدم بخالص شكري و امتناني للسيد السفير على تشريفنا بحضوره و دعمنا الدائم في جميع المناسبات و كذلك فريق العمل بالقنصلية العامة بأوتريخت على مجهوداتهم و في مقدمتهم السيد عبده القادري الذي أخد على عاتقه تنشيط هذا العرس الثقافي.
أتمنى أن تستمتعوا بفقرات هذا الحفل
و سلام عليكم و رحمة الله و بركاته”.
2025-02-11